تجمع الناس من بيروت إلى لاس فيغاس، ومن تونس إلى روما، حيث اجتاحت المظاهرات المؤيدة لفلسطين العالم يدينون العدوان والقصف المستمر من إسرائيل على غزة.
وقد أصبح الشعار "من النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرة" صرخة حاشدة للجماهير. كما أنه في نفس الوقت تعرض للإدانة من مسؤولين غربيين زعموا أنه معادٍ للسامية.
تقول الخبيرة في مجال حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، التي أصرت على إخفاء هويتها، وتعرّف عن نفسها باسم الدكتورة نانسي سوكلنيك: "إن الشعار اختصار للإعلان أنه حيثما يعيش الفلسطينيون في فلسطين التاريخية، سواء كانوا مواطنين في إسرائيل أو مقيمين في الأراضي المحتلة، فإنهم يعانون من نوع ما من القمع، ويجب أن ينتهي هذا."
يعبر الشعار أساساً عن الرغبة في دولة فلسطين موحدة تمتد من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط.
يقول الخبراء إن العبارة تحمل دلالة ثقافية عميقة وتلعب دورًا حيويًا في تشكيل هوية الفلسطينيين ووطنهم.
تؤكد على الارتباط بالأرض، وتدعو إلى إنهاء الاستعمار، والحرية، ونهاية الاحتلال الإسرائيلي مع دولة واحدة شاملة تمثل الفلسطينيين وتضمن حقوقًا متساوية للجميع.
ومع ذلك، غالبًا ما تزعم المجموعات المؤيدة لإسرائيل أن العبارة هي شعار مؤيد لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية وتفسرها على أنها "دعوة لتدمير إسرائيل”.
محاولات لربطها بالعنف
بعد بعض من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في لندن العام الماضي، بعثت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، رسالة تحذيرية إلى الشرطة من التظاهرات المتضامنة مع فلسطين، والتي كلّفتها الإقالة من منصبها... كتبت فيها في سياق تحريضها عليها: "أشجّع الشرطة على التفكير بشعار "من النهر إلى البحر ستكون فلسطين حرّة"، وهو شعارٌ يجب فهمه تعبيراً عن الرغبة العنيفة بمسح إسرائيل عن الخريطة...".
اتخذت شرطة فيينا موقفًا مشابهًا، بحظر الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين استنادًا إلى تضمين العبارة "من النهر إلى البحر" في دعواتهم، موضحة أنها دعوة للعنف، مما يوحي بأنها تعني مسح إسرائيل من الخريطة.
ورغم كل هذا الاستهداف، فإن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الشعار للهجوم.
في عام 2018، قامت CNN بفصل مارك لامونت هيل، كاتب وناشط أمريكي من أصول إفريقية، بعد تعليقاته في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والتي تضمنت شعار "من النهر إلى البحر ، فلسطين ستكون حرة"
تحليل رسالته
في مقالها عام 2018 بعنوان "من النهر إلى البحر لا تعني ما تعتقد أنها تعنيه"، تغوص مها نصار، مؤرخة متخصصة في القرن العشرين في العالم العربي، والتاريخ الفلسطيني، في الجذور التاريخية لهذا الشعار.
تقول نصار إن الجذور التاريخية لهذا الشعار تمتد بعيدًا أبعد من تأسيس حماس وهي قديمة كالمقاومة الفلسطينية ضد الصهيونية.
يمكن تتبع الدعوة للحرية ‘من النهر إلى البحر’ في الشعار إلى جهود سابقة لإنشاء دولة يهودية في الأراضي الفلسطينية قبل 76 عامًا، بحسب نصار.
في 29 نوفمبر 1947، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين: واحدة يهودية وأخرى عربية. بينما احتفل اليهود في فلسطين بهذا القرار، عارضه بشدة السكان العرب.
لقد اعتبروا أن جميع فلسطين، "من النهر إلى البحر"، وطنًا لا يتجزأ.
بعد التصويت في الأمم المتحدة، اندلعت اشتباكات بين اليهود والعرب في فلسطين. نفذ المسلحون الصهاينة خلالها مجازر وهجمات عنيفة، مما أدى إلى الإخلاء القسري للفلسطينيين من منازلهم وأراضيهم.
يرى العديد من الفلسطينيين أن "من النهر إلى البحر" تمهيد لدولة خاصة بهم حيث يمكنهم العيش كمواطنين أحرار دون مواجهة التمييز اليومي من جانب إسرائيل.
طُرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من منازلهم عندما اقتُطعت دولة إسرائيل من الأرض التاريخية لفلسطين.
كما تشير الخبيرة في مجال حقوق الإنسان سوكلنيك، فإن عمليات الطرد الجماعية للفلسطينيين من ما عرف بعدها بـ”إسرائيل" له سجل تاريخي، بدءًا من النكبة 1947-1952 إلى عمليات الطرد المستمرة من القرى والأحياء في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تحريض على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من قبل السياسيين الإسرائيليين الحاليين في الحكومة.
تقول سوكلنيك "ما لم يجري إدانة هذه الجرائم ومقاضاتها بشكل كافٍ، فإن حملة القمع على المتظاهرين المؤيدين لفلسطين ترتبط بمعايير مزدوجة".